إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( 10 سورة الفتح ) . أن آية الفتح أعلاه، كما هو مفهوم من بنية النص القرآني ، أنها تؤكد على أن من يبايع الرسول ، أنما هو يبايع الله.

بقلم: يوسف يوسف


ولكن من جانب أخر، أن هذه الآية هي من الآيات التي تعزز سلطة الحاكم وتكرس وضعه كحاكم مؤيد من قبل الله ، وهو واقعا ، أن هذا الحاكم مفروض على الشعب والأمة ، أما بقوة السلاح والقتل ، أو بالتزوير أو بالتلاعب بالأنتخابات أو ب ..

الموضوع

بداية لا بد لنا من تفسير هذه الآية وبشكل مقتضب – وفق تفسير الطبري (( قال الله تعالى لرسوله – تشريفا له وتعظيما وتكريما: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، كقوله : ” من يطع الرسول فقد أطاع الله / سورة النساء 80 ” يد الله فوق أيديهم أي : هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله ، كقوله : ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم / سورة التوبة 111 ” . وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين .. عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ” من سل سيفه في سبيل الله ، فقد بايع الله ” . نقل من موقع / القرآن الكريم )) .


القراءة
1 . هنا النص القرآني يجعل من مقام الرسول مساو ومواز لمقام الله ، بقوله ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ” ، يعني مبايعي الله ومحمد سواء ! ، ومن سياق النص ، أن الله يسدل الستار عن مبايعة ، أي نبي أو رسول أو أي شخص أخر ! . والآية ، أيضا هي رسالة لكل قوم أو جماعة أو قبيلة ، بأن أي مبايعة خارج هذا الأطار ، فهي مبايعة باطلة ، لأن مبايعي محمدا هم مبايعي الله . والتساؤل : هل الله يحتاج الى من يبايعه ! ، والمثير للأستغراب ، أن محمدا يقول ” من سل سيفه في سبيل الله ، فقد بايع الله ” ، وهنا تساؤل أخر : هل يحتاج الله الى قتلة في سبيله ، أم يحتاج الى رسل سلام ! .

2 . ولكن هذه الآية أستغلت من قبل الحكام العرب المسلمين ، بأن أعتبروا أن سلطتهم هي سلطة ” ألهية ” ، وهو تجهيل وتسطيح لعقلية الشعوب العربية الأسلامية . كذلك التراث الأسلامي ، بأجمله عزز وساند من سلطة الحكام ، حتى أنه جعل من الحكام ( ظل الله على الأرض ) ، وقد جاء في موقع / دعوة الحق ، بهذا الصدد التالي ( أصل حديث أبي هريرة وهو : ” السلطان ظل الله في الأرض ” ، ورد مرفوعا عن عدة من الصحابة ، من عدة طرق ، جمعها كل من الحافظين السخاوي والسيوطي في مؤلفين . وقد لخص العلامة الزرقاني في ” مختصر المقاصد الحسنة ” كلام الحافظ السخاوي عليه بأوجز عبارة وأدلها على المقصود كما هو منهجه في هذا المختصر المفيد حيث قال : حسن لغيره ، أما الزيادات على هذا اللفظ ففيها الصحيح كحديث أبي بكرة عند الترمذي وأحمد والطبراني ، وفيها الحسن .. ) ..
* وهولاء هم الذي قال عنهم العلامة د . علي الوري / أي الفقهاء والأئمة والشيوخ .. ، أنهم ” وعاظ السلاطين ” .

3 . وعزز الفقهاء كثيرا من مقام الخلفاء والأمراء والحكام ، وبينوا صفاتهم ، وهو تكريس أيضا لسلطتهم ولحكمهم .. ولكن الحسن البصري ” 21 – 110 هج / إمام وقاضي ومحدّث من علماء التابعين ومن أكثر الشخصيات البارزة في عصر صدر الإسلام . سكن البصرة ، وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم ، ولا يخاف في الحق لومة لائم ” ، فقد شذ عن المألوف ، فوضع صفات خيالية لا يمكن أن تنطبق ، لا على خلفاء المسلمين ، ولا تنطبق أيضا بالأجمال على حكام العرب . فقد جاء في موقع / قصة الأسلام ، أجابة الحسن البصري للخليفة عمر بن عبد العزيز ، عن صفات الحاكم العادل ، أنقل مقطعا منها ( فكتب البصري : اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ونصفة كل مظلوم ، ومفزع كل ملهوف .. وهو الراعي الشفيق على إبله ، والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي .. ) .
* التساؤل ، هل تنطبق هذه الصفات أو بأستطاعة أي خليفة أو حاكم أو قائد أو رئيس ” مسلم ” أن يطبق هذه الصفات !


4 . من خلف رسول الأسلام في الحكم وضع نصب عينيه ، معتقدا أنه خليفة محمد في كل أمر ، لذا آمن أنه يستحق ما كان ل ” محمد ” من أمور الحكم وميزات السلطة في طاعة المحكوم ، وقد عزز الأمر بالآية 59 من سورة النساء ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ َأَحْسَنُ َ.. ) .

 وفي موقع / الأمام بن باز ، تعزيز على ديمومة حكم الحكام ، وتأكيد على عدم الخروج عن سلطة الحاكم الجائر ( وتقيد إطلاق الآية بأن المراد : طاعتهم في المعروف ، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي ، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية ، لكن ” لا يجوز الخروج عليهم ” ) .
* هذا الأمر جعل من الحاكم تماما هو الرب الأرضي للبشر ، لأنه أصلا / أي الحاكم ، متفردا ومصانا ومساندا وفق النص القرآني ، ووفق الموروث الأسلامي . فهو لا يسأل عن مراجعة أي أمر يصدره ، أي له الأمر والنهي والشعب يطيع وينفذ .

الختام

1 . الكثير من حكام العرب سارقين فاسدين جائرين ظالمين ، والبعض منهم يعتبرون أنفسهم مؤيدين من قبل الله ورسوله ، ومن الصفوة المختارين في الأرض ، لا يمسهم السوء أو الضلالة من أي جانب ، فهم عباد الله الصالحين ، حكام يعتقدون : أنهم خلاصة الحكمة وقدر الأمة ، وذلك لأنهم ” ظل الله على الأرض ” ، وهم واقعا ” لعنة الله على الأرض ” .

2 . ولكن للموضوعية والأمانة العلمية ، أرى : أذا تركنا دولتي السعودية وأيران / بشكل محدد ، كنموذجين للحكم الأسلامي المطلق ! ، فأن الآية 10 من سورة الفتح ، وما يماثلها في الموروث الأسلامي ، تعززت ماضويا بشكل عملي – وبحقب معينة ، وكان ذلك بعد سقيفة بني ساعدة ” مرورا بالدولتين الأموية والعباسية والحكم العثماني ، وما نشأ من دويلات و.. ” ، أما في القرن الواحد والعشرون ، باتت كل الأمور واضحة وضوح الشمس بالنسبة للشعوب ، حيث لا يمكن أن ترضخ هذه الشعوب لسلطة الحكام الظلمة مجددا ، بعد الوعي المجتمعي والأنفتاح الحضاري .. ” على الشعوب أن لا تنحني أمام الحكام ، وذلك حتى لا يصبحوا مطية لهم ” .


الصورة الرئيسية: “صورة والي” في مقامات أبي محمد القاسم بن علي الطروري (1201-1300).