الاحوال في العالم العربي سيئة بل سيئة جدا ، هذا العالم المُبتلى بثقافة دينية وقبائلية غسلت العقل العربي خلال قرون عبر سيطرة انظمة حكم فردية تلبس غطاء الدين للسيطرة واحتكار السلطة مع رجال دين متزمتين لا يُشّغلون عقولهم ولا يغيرون آرائهم الا اذا رغب الحكام في ذلك لتسيير مصالحهم والتحكم بالشعوب.

بقلم: زياد ملكوش


وليس ان الاوان قد حان للتغيير فقد حان ذلك منذ زمن بعيد ولكن يجب البدء بذلك. ان التربية والتعليم الديني والتعليم عموما والمجتمع برمته بحاجة الى اصلاح . المؤسسات الدينية ووزارات الاوقاف والمحاكم الشرعية والشيوخ ومايسمى علماء الدين بحاجة ليس الى اصلاح بل الغاء . التراث الديني المُعتمد على ما ينسب للرسول من اقوال وافعال وعلى البخاري وعلى الائمة الاربعة وما بعدهم الى الازهر مرورا بجميع الفقهاء يجب ان يُقراوا كنتاج زمنهم بصوابهم واخطاءهم وليسوا كاساس للدين فالكثير منهم أفْتوا لصالح السلطة السياسية الحاكمة والذكورية السائدة و لصالح طبقة الاغنياء فالجنة للفقراء في الحياة الاخرى ولا ضرر من شقائهم في الحياة الدنيا.

ان المصحف هو نص تاريخي نزل في مكان وزمان آخرين ووجود بعض الاشارات التي قد تكون علمية فيه وبعض النصائح والارشادات و المسموحات والمحظورات والقوانين الصالحة وبعض القصص التاريخية او الرمزية لا تجعله كتابا علميا او مرجعا او دائرة معارف عامة او دستور ، كذلك يمكن اعتباره حمّال اوجه كما قيل ان علي ابن طالب قد ذكر . 

يجب التفكير في عمل تفاسير عصرية / والاخذ بعين الاعتبار ماهو موجود منها / وليس بالضرورة ان تُحّور النصوص الاصلية . مثلا يجب توضيح ان الايمان والالحاد خيار وليس اجبار وان القتال هو للدفاع عن النفس والارض وليس العدوان باسم الفتح ونشر الاسلام . يجب توضيح ان تعدد الزوجات غير مسموح به وان للمرأة نصيب كامل يساوي نصيب الرجل في الميراث. 

طبعا هناك مسائل الايمان والسلوكيات السوية والاخلاقيات التي كان ولازال معظمها كما هو منذ بداية الحضارات وحتى الآن فالنصائح والدروب الصحيحة والتعامل مع الآخرين واحترام الحقوق و القيام بالواجبات كانت موجودة لدى المصريين القدماء وحضارات مابين النهرين واليمن ، وكذلك هي في الاناجيل و نصوص المصحف وهي شبه مطلقة وتسري في جميع العصور ومختلف الحضارات اينما ومتى ماكان . لكن القوانين والشرائع والمعاملات تتغير بتغير وتطور المجتمعات فماكان طبيعيا ومقبولا في عصور سابقة ومنها القرن السابع ليس مقبولا ولا عادلا اليوم.

هل من المقبول مثلا قطع اعناق او اطراف المعتدين الذي كان امرا طبيعيا الى حد ما فيما مضى ! الشيوخ قد يقولون ان القصد هو ردع المعتدي وقتله بمعنى انه ليس من الضرورة قطع ذراعيه وقدميه والاكتفاء باعدامه باي طريقة كالرمي بالرصاص مثلا ، وهم من حيث لا يعلمون يقرون بظرفية الآيات ، وهل من المقبول قطع يد السارق ( إن صح تفسير الآية فالبعض يقول ان القطع ليس البتر ) ، وهل من المقبول ان تاخذ المرأة نصف حصة الذكر ( مثل التفسير الخاطئ لمعظم الشارحين بعدم التفريق بين معنى كلمتي نصيب وحظ والقفز على الآية التي تنص على ان للرجال نصيب وللنساء نصيب ) في زمن اصبحت المرأة تعمل وتعيل مثلها مثل الرجل وليس كغابر الايام عندما كان الرجل هو المعيل / او الغازي الذي يجلب الغنائم / في كثير من الاحيان. وماذا عن العدة بعد وفاة الزوج او الطلاق ، هل من الضروري ان تنتظر المرأة زمنا معينا قبل ان تتزوج مرة اخرى ان رغبت /لعدم اختلاط الانساب / ، ففحص الحمض النووي اليوم يمكن ان يبين في ساعات نسب الطفل. 

هل تقبل النساء وحتى الرجال بتعدد الزوجات ؟ ( ان صح التفسير والممارسة الحالية ) ، وقوامة الرجل على المرأة والحق في ضم الاطفال اليه بعد الطلاق وبعد انقضاء مدة حضانة الام ! وعدم سفر المرأة وخروجها بدون اذن الزوج او المصيبة الكبرى الا وهي زواج القاصرات . وهناك عشرات الحالات الاخرى التي يقرها ما يسمى بالشرع اعتمادا على نصوص ظرفية في المصحف او تفاسير غير صحيحة او فتاوى من يسمون بعلماء الدين.

وقد مر وقت ولازال يقوم الكثير من المسؤولون ( اللا مسؤولين ! ) وبالطبع فقهاء السلاطين وغيرهم بتكفير او الاتهام بالردة او مهاجمة كل مفكر او كاتب يجرأ على نقد الفكر الديني او الممارسة الدينية امثال صادق جلال العظم الذي حوكم ومحمد عايد الجابري وفرج فودة الذي اغتيل ونصر حامد ابو زيد الذي تم التفريق بينه وبين زوجته بدعوى انه مرتد/غير مسلم/ ومحمد شحرور وغيرهم ، وطال التكفير كُتابا امثال طه حسين ونجيب محفوظ الذين نقدا التفكير الديني بخجل.

ولعله من الضروري ذكر انهم جميعا مسلمين بل مؤمنين بالله. كذلك يتعرض من يدعون الي تحسين حقوق المراة مثلا ومساواتها بالرجل الى الهجوم عليهم ووصفهم بالعصاة الذين لا يخافون الله ورسوله ، وهم بذلك يسيئون الي الله وهم لا يعلمون ، فهل من المعقول ان يغضب الله لان تاخذ المراة حصة من ميراث ابيها تساوي حصة شقيقها مثلا وهو العادل الرحمن الرحيم ! … ويؤيد كثير من الناس / واجزم ان اغلبهم مسلمين بالولادة / تصريحات وممارسات من يدعوا انهم حماة الدين من الغزو الاجنبي ومن الكفرة والمرتدين والحاقدين على الاسلام إلى ماشابه ذلك من اتهامات فارغة . الممارسات الملبسة بغطاء الدين كثيرة وظالمة ومعيبة خاصة ما يخص النساء من حرمانهن من الارث او اجبارهن على الزواج و/احيانا كثيرة وهن طفلات/ او زواج الرجل باكثر من واحدة ، وكثير غير ذلك. للاسف لا زالت المطالبة بقوانين مدنية عادلة تحمي الجميع ضعيفة.

الاصلاح والتغيير الديني ضروري ، لكنه ليس ممكنا إلا بتغيير او إصلاح الانظمة الحاكمة غير الشرعية في البلاد العربية والاسلامية التي تعتمد على المفهوم الديني السائد ورجالاته وعلى الاجنبي /الذي يعمل لمصالحه/ وبالتحالف مع راس المال او الطبقة الثرية . التغيير قادم عاجلا ام آجلا ولكن على الشعوب ان تتغلب على رعبها وتخرج عن صمتها الذي طال وتقرر هي من وما وكيف سيقوم النظام / اي نظام / الذي سيخدمها للوصول الى حياة حرة كريمة لائقة . طرق التغيير السلمي المشروع متاحة. على الشعوب ان تبدأ بالخطوة الاولى.


الصورة الرئيسية: نساء يتظاهرن في فبراير 2021 ضد قرار مجلس القضاء الشرعي الذي تهيمن عليه حماس لمنع النساء من السفر.