بينما ينشغل المُتحضرون فى كوكبنا بالحرية والتنمية والدفاع عن حقوق الإنسان فى أى مكان، وإجراء المزيد من الأبحاث العلمية للقضاء على الأمراض التى تـُهدّد حياة البشر(السل، السرطان إلخ) وأنّ الاكتشافات الطبية يستفيد بها كل إنسان على كوكبنا الأرضى، ينشغل الأصوليون المسلمون بحلم طوباوى مريض : لابد من أنْ يسود الإسلام كل بقعة فى كرتنا الأرضية.

بقلم: طلعت رضوان


وهذا الحلم لكى يتحقق يلزمه توفر الشرط الضرورى لذلك ، أى أنْ تعتنق كل شعوب العالم الإسلام . ولكن إذا لم يتحقق هذا الشرط ، نكون إزاء إحتلال استعمارى يخضع فيه غيرالمسلمين للمسلمين الذين غزوا أراضيهم.

    أكتب هذا وأنا مُدرك لتلك الفانتازيا السوداء البائسة، ومُدرك لأنّ صيرورة التاريخ وإنْ كانت حلزونية، إلاّ أنها لا ترتد إلى الوراء ، ومع ذلك يشغلنى هاجس تصاعد المد الأصولى الإسلامى فى أوروبا ، حيث يرفض المسلمون (العرب بالذات) الاندماج فى المجتمع الأوروبى الذى وفـّر لهم حق الإقامة وحق العمل ، بل وحق (المواطنة) لدرجة أنْ يتولى (المسلمون) أرفع المناصب .

ورغم كل هذه الحقوق التى لا يحصلون عليها فى بلادهم الأصلية ، فإنهم يُصرون على السير عكس تيار حركة التاريخ ، ويرون أنّ (سعادتهم) الحقيقية لن تتحقق إلاّ إذا فرضوا معتقداتهم الدينية على المجتمع الذى هاجروا إليه بمحض إرادتهم . أى أنهم لا يكتفون بما حصلوا عليه من حق ممارسة شعائرهم ، والتعبد بديانتهم بكامل الحرية ، وبناء المساجد إلخ وإنما يطمحون إلى ما هو أكثر من ذلك ، مثل الخروج على تقاليد وثقافة المجتمع الذى يعيشون فيه (فرض النقاب – نموذجًا – ذبح الماشية فى عيد الأضحى فى الشوارع – نموذجًا ثانيًا- ارتفاع المآذن فوق المساجد- نموذجًا ثالثـًا- رغم أنّ المساجد فى بداية الإسلام كانت بدون مآذن –  نصْبْ الميكروفونات على المساجد – نموذجًا رابعًا- الصلاة فى الشوارع والميادين- نموذجًا خامسًا إلخ) يفعلون كل ذلك وهم يعلمون أنّ دولة عربية (السعودية) لا تسمح ببناء كنيسة داخل أراضيها ، وأنّ دولة مثل مصر(بسبب سيطرة الأصوليين على الثقافة السائدة منذ يوليو52) تضع العراقيل أمام المسيحيين ، سواء فى بناء كنائس جديدة أو تجديد وإصلاح القديمة.

والأكثر خطورة ما سمعته من أصدقائى وأقاربى المُستنيرين العاملين فى أوروبا ، حيث لاحظوا أنّ أغلب الأسر(المسلمة / العربية) تبث فى أطفالهم كراهية المجتمع الأوروبى . والحجة السائدة هى أنه مجتمع (كفار) وأنّ المسيحيين مشركون لأنهم يعترفون بالتثليث وهو ضد التوحيد الإسلامى .

وفقــًا لعلم المنطق فإنّ المعنى هو أنّ غير المسلمين مجرمون بالضرورة وأنّ المسلمين غير مجرمين بالضرورة

بعد هذا (التمهيد) تأتى نصيحة أولياء الأمور(الختامية) لأطفالهم : لاتـُجالسوا أطفال المسيحيين ولا تـُصادقونهم ولا تـُآكلونهم ولاتلعبون معهم. والنتيجة هنا مزدوجة: انفصام الأطفال المسلمين عن المجتمع الذى يعيشون فيه (= تعميق الشعور بالغربة والاغتراب) مع تضخيم الإحساس بالتميز، وفى نفس الوقت ينشأ الطفل الأوروبى ولديه إحساس عميق بشىء غير مألوف وغريب على المجتع الذى نشأ وعاش فيه أبواه وأخواته الكبار. هذه المشاعر المكبوتة تظل تنمو إلى أنْ يكبر الطفل ويصرشابًا ، فيُدرك أنه يعيش فى مجتمع مُنقسم على ذاته. وأنه لم يعد مجتمعًا واحدًا مُتجانسًا ، وبالتالى (كما يؤكد علماء علم الاجتماع والأنثروبولوجيا) يفتقد المجتمع أهم مقوماته : المشروع القومى والهدف الوطنى الذى يضم جميع أبناء الوطن ، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية والمذهبية. وهو أحد مبادىء حقوق الإنسان العالمية التى تربوا عليها.

    إصرار المسلمين على التميز داخل المجتمع الأوروبى ، خلق أخطر أنواع الفيروسات الاجتماعية (اللا تسامح) ويعود الجذر التاريخى له من القرآن الذى كفـّر المسيحيين  (سورة المائدة 17، 72، 73) وعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء (المائدة 51، وآل عمران28) والقتل المتوالى لمن أطلق عليهم الكفار، إذْ نصّ على ((يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)) (التوبة 123) فهذه الآية فى رأى مفسرى القرآن أنها لا تتوقف عند (كفار) قريش ولا تـُخاطبهم وحدهم ، وإنما تتجاوزهم إلى جميع (الكفار) فى العصور التالية.  بل إنّ القرآن فرّق بين المسلمين والمجرمين ((أفنجعل المسلمين كالمجرمين)) (القلم 35)

فهذه الآية جعلتْ المسلمين الضد للمجرمين . ووفقــًا لعلم المنطق فإنّ المعنى هو ((أنّ غير المسلمين مجرمون بالضرورة)) وأنّ ((المسلمين غير مجرمين بالضرورة)) ونظرًا لأنّ (المسلم) خاصة الأصولى مؤمن بأنّ القرآن لا يأتي بالباطل ، فعلى المؤمن به أنْ يُصدّق كل ما ورد فيه. وفى تفسيره لآية ((إنّ الدين عند الله الإسلام)) آل عمران19قال ابن كثير((هذا إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام)) وتأكد ذلك فى الآية رقم 85من نفس السورة ((ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين)) وعن التميّز عن باقى البشر نصّتْ الآية رقم 110من نفس السورة على ((كنتم خير أمة أخرجتْ للناس))

المرجعية الثانية أحاديث محمد مثل ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) (ورد فى الصحيحيْن عن عمربن الخطاب وصحيح المسند رقم 12643- ابن كثيرج2ص1338، 1339) وجاء فى حديث صحيح أنّ النبى قال ((لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا.. إلخ)) وجاء فى تاريخ الطبرى والسيرة الحلبية أنّ النبى قال ((أنه يدعو أهل قريش إلى أنْ يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم)) (العجم فى اللغة العربية- بهائم- والعجم ضد العرب- والعجم كل من لا يتكلم اللغة العربية – مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 440) وتبعًا لذلك قال النبى ((بُعثتُ بالسيف والخير مع السيف ولا تزال أمتى بخير ما حملتْ السيف)) وقال ((إذا تبايعتم بالنسيئة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (رواه أحمد وصححه الحاكم) وقال ((من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله)) وقال ((من لم يغز ولم يُجهز غازيًا أو يخلف غازيًا فى أهله ، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)) وقال ((من مات ولم يغز ولم يُحدّث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق)) (أبو داود ومسلم والنسائى والترمذى والبخارى)  

هذا الخطاب الاستعلائى الاقصائى داخل مصر، له أنصار يعيشون فى أوروبا تحت مسميات عديدة تأخذ شكل «مراكز بحوث إسلامية»

هذا الجذر التاريخى تلقفه حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين فتأسّستْ دعوتهم على ((مطاردة اليهودية الماكرة ومصارعة المسيحية. وأنه بفضل الإسلام ((انحصر ظلها عن قارتىْ آسيا وأفريقيا وانحازتْ إلى أوروبا فى ظل الدولة الرومانية.. وتضم الدولة الإسلامية فى غرب أوروبا وتمخر الأساطيل الإسلامية عباب البحريْن الأبيض والأحمر حتى يصيران معًا بحيرة إسلامية)) (الشيخ حسن البنا ومدرسته- د. رؤوف شلبى- ص 324)

وقال عبدالقادرعودة ((طبيعة الإسلام أنْ يعلو ولا يُعلى عليه. وأنْ يفرض حكمه على الدول وأنْ يبسط سلطانه على العالم كله)) (الإخوان المسلمون وجذورالتطرف – تأليف السيد يوسف- هيئة الكتاب المصرية- عام99ص579) وإذا قفزنا إلى لحظتنا الراهنة البائسة نجد أنّ محمد مرسى قبل أنْ يتولى الرئاسة قال ((سنعيد الفتح الإسلامى لمصر)) (نقلا عن أ. ماجد عطية – وطنى 6/5/2012) فإذا كانت مصر لم يدخلها الإسلام (من وجهة نظره). ونفس المعنى ردّده أ. طارق البشرى فقال ((إنّ مصر فى حاجة لاستكمال إسلامها)) (نقلا عن أ. سميرفريد- المصرى اليوم 12/7/2011) وكان خيرت الشاطرأكثر وضوحًا إذْ قال ((إنّ الجماعة تستعد للحكومة الإسلامية بهدف الوصول إلى مرحلة سيادة العالم)) (الشروق المصرية- 23/4/2011) وقال أيضًا ((الإخوان المسلمون لا يقبلون أنْ يشغل منصب رئيس الدولة مسيحى أو امرأة)) (المصرى اليوم 24/4/2011) وما سبق اقتباسه مجرد نماذج وليس على سبيل الحصر.

    هذا الخطاب الاستعلائى الاقصائى داخل مصر، له أنصار يعيشون فى أوروبا تحت مسميات عديدة تأخذ شكل (مراكزبحوث إسلامية) يُردّدون فيها توجهاتهم عن مجتمعات الكفر، وأنّ الإسلام قسّم العالم إلى فسطاطيْن (مؤمنين = المسلمين ، وكفار= غير المسلمين فى كل بقاع العالم) وإذا كان لى أنْ أبدى رأيًا عن وضع المسلمين فى أوروبا ، لتحقيق الاستقرارالاجتماعى ، فإننى أتمنى أنْ يتبنى الليبراليون (من المسلمين) خطابًا تنويريًا ، يتأسّس على فصل المعتقد الدينى عن الانتماء الوطنى ، وأنّ الانسان (المسلم) المُصرعلى معتقداته التى يخلط فيها بين ما هو وطنى وما هو دينى ، ومُصرعلى تكفيرالمجتمع الذى قبل هجرته وآواه ووظفه إلخ فعليه (وفقـًا للعقل وللمنطق) أنْ يعود إلى وطنه الأصلى ، طالما أنه لا يستطيع العيش مع المجتمع الذى يرى أنّ ثقافته وتقاليده وأعرافه ، تتناقض مع معتقداته.

الصورة الرئيسية: كنيسة في المنيا بعد إحراقها من قبل المتظاهرين المناهضين للحكومة في أغسطس 2013. خلال الاضطرابات من 14 إلى 17 أغسطس بعد تفريق الشرطة والجيش لمعسكرات الإخوان المسلمين وأنصار الرئيس الإسلامي المخلوع محمد مرسي ، تم تدمير وإحراق حوالي 50 كنيسة بما فيها 30 كنيسة قبطية أرثوذكسية و 14 كنيسة وأديرة كاثوليكية, بالإضافة إلى 6 منازل صلاة بروتستانتية.

مسلمون يتحدون منع صلاة الشوارع في فرنسا ، سبتمبر 2011