المنهج الدراسي النموذجي

المنهج الدراسي النموذجي

لمدة فترة عقدين تقريبًا ، منذ صدور تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في الوطن العربي عام 2003، والذي أظهر دور التراث العربي الإسلامي في إعاقة تنمية مجتمع المعرفة ، كان من الواضح أن الطريق إلى الأمام يجب أن يمر عبر الإصلاح التعليمي.

لطالما فهم المثقفون في العالم العربي هذه الحاجة وناقشوها ، لكن هذا العائق حظي باهتمام دولي في عام 2014 عندما دعا الرئيس المصري السيسي إلى نموذج إصلاحي لكسر الدائرة المغلقة للفضاء الفكري والعقائدي وإلى الخروج “من إطار ذواتكم لتكونوا قادرين على مراقبتها والتفكير فيها من منظور  أكثر استنارة”.

المشكلة التي تم تحديدها هنا هي الركود البيداغوجي الذي استمر تحت تأثير السلفية المتزايدة على قطاع التعليم في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى ركود علمي وتكنولوجي وثقافي وأخلاقي، ووضع حواجز أمام الاندماج مع مجتمعات مبنية على اختلاف تقاليد تاريخية وعقائدية مختلفة.

ولهذا فان مفتاح سد الفجوة يتمثل في إصلاح تعليمي شامل ، إصلاح يتعمق أكثر بكثير من الدائرة المغلقة لـ “تجديد التراث التاريخي” ، وبدلاً من ذلك “يخطو خارجه” لتنشيطه. هذا الأمر يتطلب منهجا دراسيا جديدا  يُخرج الطالب من حالة  الإنغلاق على مختلف الأصعدة الأخلاقية والسياسية والفكرية والثقافية. لأنه لا يمكن كسر هذا الانغلاق إلا ببرنامج تعليمي يعزز قدرات التعاطف والإبداع والنهوض بالعلوم والفنون، بدلاً من قمعها كما لو كانت “تمرداً على التراث”.

وبناءً على ذلك، فقد أخذ المصلح زمام المبادرة – في “مشروع الإصلاح” –  لتصميم مثل هذا المنهج الدراسي حتى يصبح نموذجا للإصلاح التعليمي المنشود. إنها مبادرة تجمع العلماء من جميع أنحاء الشرق الأوسط لتبادل الأفكار ولبناء منهج من شأنه تعزيز إعادة دمج الأجيال الجديدة في المعايير ووجهات النظر العالمية. ويجري الآن التكليف بدورات المنهج النموذجي , وسيتم نشرها عبر الإنترنت على موقع المصلح.

ويهدف المنهج الدراسي النموذجي لتوسيع نطاق التعليم في الشرق الأوسط ، وفي نفس الوقت تعزيز بنية معرفية تدرس مفهومًا جديدًا لتراث الإسلام ، مفهوما يقترب من تراث العقيدة والفكر والحضارة الإسلامية ولا يسعى لإنكار شيء ما, بل هو جهد جماعي لأجيال المفكرين المبدعين الذين ساهموا في بناء ترابط الحداثة العالمية بين الأمم والثقافات والفلسفات والأديان.

وهكذا يركز المنهج الدراسي النموذجي على تطوير الجوانب التي تثري وتستوعب التراث المشترك للفكر الإنساني، في تبادل مثمر يمكّن المسلم من الاندماج مع الآخر من أجل المساهمة في الحياة المعاصرة بضمير مرتاح. إنه إصلاح تعليمي يبني في عقل الطالب المسلم فكرة جديدة للأصالة ، أصالة تمنحه شعورا بالفخر له ما يبرره فضلا عن شعور الزمالة الجديدة مع جميع مواطني “القرية العالمية”.

المحرر