في المغرب، في الأيام الأخيرة تدوول فيديو يتكلم عن ضرورة أسلمة الفيزياء، والحال أن الفكرة رائعة بشكل ما، توحي الفكرة بأن نظرية جديدة سيساهم بها المسلمون في الفيزياء، نظرية فيزيائية متخلقة دينيا وضد هذه النظريات الفيزيائية التي لم تخلق للإنسانية، في بعد منها خبيث، إلا الدمار (الفيزياء النووية مثلا في شقها التسليحي ).
بقلم: عذري مازغ
المخيال الجمعي الإسلامي واسع بما يجعلنا نتلمس طريقا ما لتحقيق تلك الاحلام الجميلة، إنه يومن بالجنة ويبدع في تفاصيل الحياة فيها ويمكن من هنا أن يتسع الإلهام وتتسع العبقرية لخلق طريق يوصل إلى تلك الفضاءات الحالمة من قبيل نظرية السفر عبر الزمن كما في الفيزياء النظرية الأنشتاينية: السفر إلى ذلك المتسع اللامتناهي الجميل الذي يسمونه الجنة. (وهنا أتكلم نظريا بمنطق فيزيائي وليس بخلفية تلك العمليات المتاحة في الفكر الديني المتطرف حيث الفعل واثره فيزيائي تماما ويؤدي بالوهم إلى الجنة، أقصد تلك العمليات الانتحارية في قتل البشر والسفر بالموت إلى الجنة، يعني لا تخلق نظرية فيزيائية عقلانية ببساطة، فمن المنظور الفيزيائي الموت ليس سفرا بل موت للحركة نفسها).
كنت انتظر تقييما للفيزياء بمفهوم ديني أخلاقي على سبيل المثال وهو مبدا إنساني تبنته العلوم الإنسانية مسبقا في ما يخص الاكتشافات العلمية الجديدة والتي في هي متناقضة مع سيرورتنا الطبيعية من قبيل الموقف من عملية الاستنساخ، من قبيل الموقف في الطب مما يسمى بالموت الرحيم، ومن قبيل أيضا صنع قطع غيار لأعضاء البشر وهي أمور فيها الكثير من النظر
تحتم ان تظهر هناك فيزياء إسلامية أو رياضيات أو بشكل عام علوم طبيعية متأسلمة. لكن وعموما ليس هذا ما يطرحه الشيخ صاحب الفيديو بل يطرح فيزياء عجائبية من نوع آخر، يقول ياسين العمري: يجب أسلمة الفيزياء! ــ كيف؟ ــ عندما نتكلم عن ظاهرة فيزيائية أو كونية يجب إضافة كلمة “سبحان الله!” مختومة بعلامة تعجب كبيرة. هنا انتهت المشكلة وأصبحت الفيزياء إسلامية!
إنه من حيث لا يدري يزكي توظيف الدين في قوانين كونية لا علاقة لها بالله: إن القنابل في عمليات التفجير الإنتحارية يتم تفجيرها بضغط على زر وليس باسم الله والتكبير به.. تفترض الفيزياء المتاسلمة هنا مسحا اخلاقيا: الله خالق البشر!
الفعل هذا يدخله في العبثية والعبثية محالة في ذات الله
الله لم يخلق البشر ليقتله بشر آخر باسمه والتكبير به. هي معادلة بسيطة كتلك التي للفكر الصوفي في جدول ضرب واحد في واحد، يساوي الواحد الأحد (أسلمة الرياضيات). في الفلسفة العربية الإسلامية الذات الإلهية منزهة عن التشيئ: كل تشييئ هو شرك بالله وهذا هو ما تسقط فيه اغلب التيارات الإسلامية.
ولنفترض أننا مسلمون ونعرف الله حق المعرفة: إن الله هو واضع القوانين الكونية وهذه فكرة عامة وبالنتيجة إن الله عادل بالمطلق، ومعنى هذا ان الله لا يخرق قوانين وضعها لأن خرقها هو إثبات عدم عدالته بالمطلق والفعل هذا يدخله في العبثية والعبثية محالة في ذات الله حتى وإن كان أمكر الماكرين.
(حتى من داخل الفكر المثالي الفلسفي الإسلامي لا يمكن لله أن يتدخل في قوانينه التي وضعها لسيرورة الكون، يفترض أن الله ليس كالحاكم العربي المسلم يشرع قوانين ويخترقها هو نفسه وهذا بالتحديد ما يؤسس له ياسين العمري: الإيديولوجيا بالإسلام ليست أيديولوجيا).
من يتذكر منكم مجلة العربي التي كانت تصدر من الكويت؟ كان في السبعينات والثمانينات يكتب بها طبيب مصري على ما اعتقد اسمه عبد المنعم صلاح أو صالح (لا أتذكر جيدا اسمه)، كانت مقالات علمية رائعة في الفيزياء وفي الطب والعلوم بشكل عام، وكان بالفعل يقحم آيات قرآنية وكلمات عجائبية أحيانا تتناقض مع مضمون المقال العلمي ورغم ذلك كانت مقالاته مقبولة حتى بتوظيفه كلمات دينية لأنه ببساطة كان يكتب لمجتمعات متكلسة دينيا تحسب خطواتها بالبسملة
مواضيع قد تهمك
لكن هذا الطبيب العالم المصري لم يسمي مقالاته آنذاك بأسلمة العلوم: كان يدخل المقولات الدينية لتهذيب الذوق الديني للعلوم الطبيعية في مجتمعاتنا المتدينة، وكنا نحن القراء لمقالاته نلمس هذا الهاجس في انعدام الحرية في أن يتكلم بلغة علمية محضة لا يتشيأ فيها العلم الطبيعي بالذات الإلهية، كان يستعمل الدين كزيت زيتون في تناول خبز حافي كما عندنا في المغرب. ومعنى هذا أن الطبيب المصري هذا، كان يقدم المادة العلمية بهم إيصالها إلى الشعوب العربية وليس بهم أدلجة العلوم كما يدعونا الشيخ ياسين العمري وبثقة كبيرة:
لا حرج ان نؤدلج العلوم لأنها بالنسبة لنا كمجتمعات إسلامية ليست أيديولوجية بل مباح أدلجتها في خدمتنا. بمعنى إذا كانت الأيديولوجية تخدم عملية توهيم الآخر المناقض لنا فهي ليست ايديولوجية بل هي أثر الفعل في التأثير بالنسبة لنا (بمعنى آخر هي اثر فعل سياسي مغرض)، هكذا ببساطة يبرر فتواه في أسلمة العلوم .
من يسخر من من هنا؟
في المنطق دائما تتصارع العقليات في استنادها إلى وعي خاص (منطق وازن ومعقول) أما حين يكون الهدف ببساطة هو أدلجة العلوم فالسخرية هنا تكتسب كينونتها: تصبح كائنا يمشي بأرجله على الأرض وليس لأن العقلاء يحتقرون الفكرة بل إن الفكرة تعبر عن ذاتها كسخرية.