كل محاولات التوفيق بين نقيضين جهد ضائع. ليست أكثر من ” طبطبة ” على الأكتاف. قد تعمل على تأجيل لحظة الصدام فقط. هل يُعقل أن لا يفطن البخاري ومسلم وبقية جامعي الحديث إلى حقيقة أن كثير من الأحاديث التي جمعوها تتعارض مع أحاديث أخرى و نصوص أخرى قرآنية؟
بقلم: رياض حمَّادي
أمر محير فعلا. فكل شروط قبول الحديث تركز على السند – رواة الأحاديث – دون المتن. شعارهم في ذلك ” ثبوت عدالة الرجل وصدقه دليل على صحة الحديث الذي يرويه! “
كوميديا أو مهزلة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. تخيل أحدهم يأتيك ببضاعة, ملح مثلا ويبيعك إياه على أنه سكر, أو حديد على أنه ذهب. وبدلا من التحقق من البضاعة تسأل عن التاجر أو البائع, فإن بلغك أنه تاجر صادق أمين اشتريت منه بضاعته! المصيبة عند معرفتك لحقيقة البضاعة ومع ذلك تشتريها والمصيبة الأعظم أن تجهل حقيقتها!
وشتان بين بضاعة يُخدع فيها شخص فتكون الخسارة منحصرة فيه وحده وبين بضاعة الحديث – مكون ثقافي – حيث يُخدع المليارات من الناس وعلى مدى قرون وهم مغتبطون بهذه الخديعة وفي حين أن التاجر الذي باعنا البضاعة أصبح عظاما نخرة ما زلنا نلهج باسمه شاكرين صباح مساء.
هل يُعقل أن يكون البخاري وأصحابه غير ملمين بالنصوص القرآنية لدرجة يغيب عنهم مدى تعارض النصوص التي يجمعونها – الحديث – مع أحاديث أخرى ونصوص قرآنية؟
قبول الحديث تركز على السند دون المتن
ولأنه غير معقول, لذلك تزداد حيرتنا من أكبر عملية نصب دينية في التاريخ الإسلامي. وتزداد حيرتنا أكثر عندما نعرف ” أن البخاري (أبو عبدالله محمد ين إسماعيل 809 ـ 869 م ) جمع سبعين ألف حديث, وقال البعض إنه جمع مائتي ألف حديث, لم يصح له منها إلا 2726 ( ألفان وسبعمائة وستة وعشرون ) حديثًا غير مكرر, وموصول السند, 7397 ( سبعة آلاف وثلاثمائة سبعة وتسعون ) حديثًا بما فيها الأحاديث المكررة. “(1). أي أنه قام بعملية غربلة للأحاديث واستبعد الجزء الأكبر منها. فعلى أي أساس أو شروط قام بهذه الغربلة؟!! على أساس صحة السند فقط. أي انه لم يولي مسألة المتن أي اهتمام!
” وعلى الرغم من هذه الغربلة الشديدة فقد أخذ بعض الفقهاء والعلماء كثيرًا من المآخذ على صحيح البخاري, وانتقد حفاظ الحديث في 110 ( مائة وعشرة ) أحاديث, منها 32 ( اثنان وثلاثون ) حديثًا يتفق فيها مع مسلم و 78 (ثمانية وسبعون ) حديثًا انفرد بها وحده. كما قالوا إن بعض من روى عنهم ليسوا ثقات, وأن بعضهم ” ممن تقبل دعوته ولا تقبل روايته” ( أي أنه شبه أبله) ” (1)
وهم التناقض!:
ومن قال لك أن هناك تعارض أو تناقض بين الحديث والقرآن؟!!
هذا رد المدافعين عن الحديث. حيث يؤكدون على أن التناقض موهم ومن أجل إثبات حجتهم يقومون بعملية نصب تأويلية أخرى ملويين أعناق النصوص ومستخدمين كل وسائل الغش والخداع والحيل والمكر والدهاء في غير محلها فتراهم يلجئون إلى الفلسفة والمنطق والعلم والخطابة والشعر والبلاغة والشعوذة والدجل وكل ما هو متاح لكسب رضا جماهيرهم من المؤمنين.
عمليات التوفيق – التي يقوم بها هؤلاء – بين النص القرآني والحديث هي عمليات نصب أخرى تتعرض لها الأمة وهي قانعة سعيدة راضية كل الرضا!! ولم تفلح كل الدعوات التي نادت بضرورة تنقية الحديث وعرضه على القرآن واستبعاد ما يخالفه.
أمثلة على التعارض بين الحديث والقرآن:
(1)- تعارض صريح في الأحكام:
قضية جواز نسخ الحديث للقرآن غامضة فمنهم من يقول بأن الحديث لا ينسخ القرآن ومنهم من يقول بأن الحديث المتواتر ينسخ القرآن وأيا كان الرأي فما هو مطبق هو أن الحديث متواتر أو غير متواتر – آحاد – ينسخ أحكام القرآن عندما يقبلون كثير من هذه الأحاديث.
“لا يُحتج في إثبات نسخ قوله تعالى: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، بالأحاديث النبوية الصحيحة، التي فيها ذكر قتل المرتد، إذ إن المقرر في أصول الفقه أن القرآن لا ينسخه إلا قرآن مثله، أو سُنة متواترة.” (محمد سليم العوا) (2)
العوا لا يوافق على قتل المرتد لكنه يدافع عن أحاديث يسميها صحيحة تقول بقتل المرتد.!! كيف نفهم هذا؟
مستخدمين كل وسائل الغش والخداع والحيل والمكر والدهاء
كيف يكون حديثا صحيحا ومخالفا للقرآن في نفس الوقت ثم إذا كان حديثا صحيحا بالتالي يجوز أن ينسخ حكم القرآن كما تقدم من قول العوا؟ كل هذا اللف والدوران من أجل الإبقاء على هذا التناقض المريض. وهو تناقض مريض لأنهم لا يعترفون بوجوده أي أنهم عمي البصر والبصيرة. مع العلم أن العوا محسوب على تيار الوسط المعتدل ويخالف برأيه أعلاه موقف شيخه القرضاوي القائل بضرورة تطبيق حكم الردة على العلمانيين.
مثال: حد الزنا:
حكم القرآن: الجلد حيث لم يفرق بين المحصن وغير المحصن, المتزوج وغير المتزوج.
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2
حكم الحديث: الجلد لغير المحصن والرجم حتى الموت للمحصن.
روى عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب” الجلد و (الرجم) رواه مسلم وأبو داود.
وهناك من لم يقتنع بحكم الحديث فقط وأراد تدعيمه بآية قرآنية ولأنها غير موجودة فما كان منه إلا أن قام بتأليفها وهي
” الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله “!
وقالوا بأن الآية نُسخت تلاوتها ولم يُنسخ حكمها!
مثال: حد الردة:
حكم القرآن: لا يوجد حد أو عقاب دنيوي للمرتد وفقا لمضمون الآيات.
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة217
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة 54:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }النساء137
حكم الحديث: ” من بدل دينه فاقتلوه ” وهو الحكم الشائع مع أن في الحديث والسيرة ما يخالف هذا الحكم فقد “ارتد جماعة بعد موت النبي قال صلى الله عليه وسلم: “هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري” رواه الحاكم في صحيحه. ومع أن حكم القتل لا يتفق مع ما تقرر من حرية العقيدة الدينية وعدم الجبر على البقاء في عقيدة لا يؤمن بها صاحبها. إلا أنهم يتحايلون – كعادتهم – على الحكم القرآني بالقول ” قتل المرتد ليس عقوبة على الفكر في ذاته وتركه للدين الإسلامي، لكنه عقوبة على الخيانة الكبرى والمكيدة الدينية التي قام بها المرتد حين أدعى الدخول في الإسلام زوراً وبهتاناً ثم أعلن خروجه منه قصداً للإساءة إليه، والطعن فيه.” (3)
(2) التعارض مع العقل والمنطق والفطرة السليمة:
مع أن العلماء قد وضعوا شرط ” عدم مخالفة المتن ( النص ) للعقل, أي ضرورة أن يكون المنقول موافقًا للمعقول, وأن يكون النص مقبولاً عقلاً, غير ظاهر الركة في المعنى, حتى وإن لم ينضم إلى ذلك ركة اللفظ. ومع أهمية هذا الشرط, فإن المسلمين أسقطوه, مقصرين تقدير الموافقة العقلية على جامع الحديث وحده, فإذا انتهى الأمر بإدراج الحديث في أحد الكتب ـ الصحاح أو المسانيد أو السنن, أو حتى غيرها ـ صارت المعقولية قائمة في الحديث المدرج, بحيث لا يجوز لأي شخص آخر أن يعمل عقله بعد ذلك. بل عليه أن يبرر ويسوغ, وإلا عد منكرًا للحديث, خارجًا عن الملة في رأى البعض. (1)
ومن الأحاديث الثابتة ـ في صحيح البخاري, المعتبر أنه أصح كتب الحديث ـ وتتنافى مع العقل وتتجافى مع المنطق أحاديث كثيرة, نذكر منها ثلاثة:
( أ ) { إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن فى احد جناحيه شفاء وفى الآخر داء } [ رواه أبو هريرة وأخرجه ابن ماجه أيضًا ـ فى الطب ].
وهو حديث واضح المخالفة للعقل والمجانية للذوق, ولو قوم طبقًا لهذه المعايير لتعين تجاوزه, أو على الأقل لعُد متوافقًا مع ظروف عصره فحسب.
( ب ) { تدرى أين تذهب ( الشمس )… قال النبى: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها, ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها, وتستأذن فلا يؤذن لها, يقال لها ارجعى حيث جئت فتطلع من مغربها, فذلك قوله تعال { والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم }} [ رواه أبو ذر وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى ].
والمعلوم حاليًا في المعارف البشرية والعقل الإنساني وصميم العلوم أن الشمس لا تتحرك نحو المغرب, ولكن الأرض تدور من المغرب إلى المشرق حول الشمس, وإن الشمس لا تسجد وإنما تُشرق في أماكن أخرى حتى تصل إلى منطقة الشرق الأوسط.
ومؤدى ذلك أن التسليم بصحة الحديث يلغى كل المعارف العلمية والمفاهيم العقلية, وهو مالا يدعو إليه الإسلام, بل يأمر بضده. هذا الحديث أعلاه يجدون له اليوم تخريجا علميا وإعجازيا لقبوله كما يفعل الدكتور زغلول النجار.
( جـ ) { إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى, أدرك ذلك لا محالة }.
وتقدير هذا الحديث وفقًا لضوابط العقل ومعايير الإسلام وموازين القرآن يجعله محل نظر, لأنه يلغى مبدأ الحرية الشخصية التي قررها القرآن:
{ بل الإنسان على نفسه بصيرة } [ سورة القيامة 75: 14 ],
{ وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [ سورة النساء 4: 97 ],
{ وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقطنون } [ سورة الروم 30: 36].
يضاف إلى ذلك أن الحديث يسقط مبدأ المساءلة أو لا يجعلها على إثم اقترفه الشخص بإرادته. فما دام حظه من الزنا قد قُدر عليه فأين يهرب من قدره؟!, وهل يستطيع إنسان ذلك؟, ولم يعاقب على قدر لم يختره لنفسه ولم يقترب من بإرادة حرة واعية؟!. ” (1)
(3) تعارض صريح في القيم والمبادئ الأخلاقية:
أحاديث تحتقر المرأة:
عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل».
والحديث السابق يتعارض مع حديث آخر:
أخرج البخاري 1/751، وأخرج مسلم نفسه4/221: «حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك على أحد».
وتصور الرسول على انه شهواني:
عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهى تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه”.
مواضيع قد تهمك
وحديث يصوره على أنه دموي:
رواية عند مسلم تقول إن الرسول كان سفاكاً للدماء بلا بيِّنة ولا شهود, فعندما أخبره أحد الصحابة أن رجلا يدخل على امرأته –ماريه- فأمر علياً بن أبى طالب أن يذهب ليقطع عنقه هكذا دون استبيان ولا دليل ولولا أن الرجل كشف عن عورته وكان مجبوب الذكر- مقطوع عضوه الذكرى- لقُتِلَ الرجل بلا جريرة ولا ذنب ارتكبه, فهل هذا هو عدل رسول الله؟ ” (4
وأحاديث معادية للمرأة
اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء)َ. رواه البخاري 3241 ومسلم 2737
وأحاديث عنصرية :
جئت إلى النبي (ص)، ومعي وصيف بربري، فقال: يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ فقلت: بربري يا رسول الله، فقال: يا أنس بعه ولو بدينار، فقلت له: ولم يا رسول الله؟ قال: إنهم أمة بعث الله إليهم نبيا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه، وبعثوا من المرق إلى النساء فلم يحتسوه، فقال الله: لا اتخذت منكم نبيا ولا بعثت فيكم رسولا”.
وفي حديث آخر جاء فيه:
ما تحت أديم السماء وعلى الأرض خلق شر من البربر، ولئن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق رقبة بربري.
وفي حديث آخر ورد فيه:
“قال رسول الله (ص) نساء البربر خير من رجالهم، بعث إليهم نبي فقتلوه، فتولت النساء دفنه، والحدة عشرة أجزاء وتسعة منها في البربر وجزء في الناس”، وفي حديث آخر ذكر أن الرسول (ص) قال: “إن البربر لا يجاوز إيمانهم تراقيهم”.
” ومن الغريب أن يستسيغ بعضنا العمل كالأبواق الفارغة ويردد كل ما يسمعه دون تمحيص أو تنقيح،.حتى وإن حمل الإساءة لنا ولأمتنا ولرسولنا، كالحديث الذي يقولون فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على كفل حماره فبكي الحمار، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك؟ فرد الحمار قائلا، حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن جده عن الحمار الأكبر الذي ركب مع نوح في السفينة أن نبي الله نوح مسح على كفله وقال، يخرج من صلبك حمار يركبه خاتم النبيين. فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار. ” (5)
والتعارض واضح ليس بين الحديث والقرآن فقط بل بين الحديث والحديث أيضا والأمثلة أعلاه مجرد عينة. لكن لماذا يتم تغليب الحكم المتطرف والمتشدد والمخالف على الحكم الميسر والوسطي؟! هذه مسألة تحتاج إلى دراسة تحليلية و مستقلة أخرى.
التناقض كحل – اجتهاد الرسول:
قدر العلمانيين والليبراليين والملحدين واللاأدريين أن يفكروا عن الجماعات التي أقالت عقلها كي يبحثوا لهم عن حلول ومخارج تحفظ لهم ماء دينهم وتجعل منه دينا مرنا قابلا للحياة بعد أن أماتوه منذ زمن طويل. ولذا دائما هناك مخرج وحل لهذا النوع من الإشكاليات الدينية, لكن ليس بنفي أو إنكار وجود التناقض بل بإثباته. فهو من الوضوح والكثرة بحيث لا يمكن لعاقل إنكاره هذا أولاً. ولنقل ثانياً أن الأحاديث التي تناقض أحاديث أخرى أو تناقض القرآن وتعارض أحكامه ومبادئه هي أحاديث صحيحة السند والمتن ولكنها في الأخير محصلة لإجتهاد الرسول في ظرف زماني ومكاني معين وأمام حالات أو مشاكل محددة اقتضت منه الخروج بحل ينافي ويناقض الحكم االقرآني, أو يتعارض مع حكم سابق من اجتهاده.
مواضيع قد تهمك
وبالتالي يصبح هذا هو المنهج الذي يجب إتباعه. أي البحث الدائم عن حلول للإشكاليات المعاصرة وبذلك تنتفي مسألة الإلزام من النص الديني فأول من خرج على هذا الإلزام هو الرسول, لا بل أن الإلزام في حد ذاته وهم وأكذوبة كبرى فلا وجود للإلزام وأول من خرج على مسألة (الإلزام) – إذا جاز لنا أن نسميه كذلك – لم يكن الرسول بل القرآن ذاته في مسألة وهمية أخرى هي ( الناسخ والمنسوخ ) وهذه قضية أخرى تستدعي وقوفا مطولا. لكن في عجالة أقول أن مسألة الناسخ في القرآن لم تكن نفيا واستبعادا للحكم الذي سبقه بل إيجاد حكم أفضل من سابقه مناسب للظرف الجديد مع عدم استبعاد الحكم السابق.
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106
فلو كان هناك حكما ثابتا ملزما في القرآن لكان أتى به مباشرة ومن أول مرة. إنما العبرة في مسألة الناسخ – إبدال حكم مكان آخر – بناء منهج في حل الإشكاليات المعاصرة. والعودة إلى النص تكون بإتباع المنهج الكلي لا بإتباع النص الجزئي, ولا تكون كذلك بالرجوع إلى الأحكام في حد ذاتها وإنما إلى المنهج والمبادئ التي شكلت تلك الأحكام.
قلة الأحكام والتشريعات القرآنية دليل آخر على عدم إعطاء أولوية لها وأن الأحكام الموجودة ليست إلا نماذج وأمثلة للاستئناس بها في كيفية استنباط الأحكام من المنهج لا في إتباع ما هو متاح نصا.
(1) محمد سعيد العشماوي: حقيقة الحجاب وحجية الحديث. والأمثلة أعلاه غيض من فيض على المآخذ على الحديث ولمزيد من التفصيل في كتب مثل ” مشكلة الحديث – يحي محمد ” و كتاب ” تدوين السنة لإبراهيم فوزي “
(2) الدكتور محمد سليم العوا في مقالته عقوبة الردة تعزيرًا لا حدًّا – إسلام أونلاين
(3) حكم المرتد: – الموسوعة الإسلامية
(4) من مقال لإسلام بحيري. اليوم السابع
(5) مقال ” الأحاديث النبوية وأسئلة لا بد منها ” – الحوار المتمدن