في كتابه الموسوم “حقيقة الحضارة الاسلامية” [1] يطرح الشيخ ناصر بن حمد الفهد وهومن الاسلاميين المعاصرين رأيأ للطرف الغالب في الانقضاض على العلم بعد عصر النهضة. يقع الكتاب باربعة فصول تتناول الحضارة الاسلامية ومفهوم العلم والرأي بعلماء فترة النهضة واخيرا الرد على الشبهات.

بقلم: محمد الصندوق


والشيخ ناصر الفهد إذ يطرح رفضه للعلم والعلماء إنما يستند على الموروث من الفكر الاسلامي والذي ظهر ما بعد النهضة والذي تراكم من دون نقاش وكأنه نصوص مقدسة. أن قيمة هذا الكتاب هوفي تبيان موقف الفكرالديني الذي ساد في المجتمعات العربية والاسلامية من العِلم والعُلماء فيما بعد النهضة والذي يجهله الكثير من المسلمين المعاصرين. والذي ترك تاثيرا ما يزال فاعلا في الفكر والموقف من العِلم.

على اية حال من خلال الكتاب يتبين انه تمت مُجابهة العِلم  خلال فترة التراجع من جانبين:

اولا: إعتبار فترة الخلافة الاسلامية الماضية هي فترة قمة التحضر بكل ما فيها. لذا فان العلوم التي تناولها المحدثون (أي في عصر النهضة) فيما بعد ليست بذات قيمة اوأهميه وذلك لعدم وجودها ايام الخلافة. فهويرى في الفصل الاول:

“إن الحضارة الإٍسلامية الصحيحة هي التي وجدت في القرون المفضلة، في وقت الصحابة والتابعين، وأئمة الدين،….، الذين بلغوا من الدين والعلم والقوة غاية ليس وراءها مطلع لناظر، ولا زيادة لمستزيد، ففتحوا البلدان، وشيدوا الأركان، ودانت لهم الأمم، وتداعت لهم الشعوب لذلك فاعلم أن الدين ما انتهجه السلف، والعلم ما طلبوه، وما سوى ذلك فلا خير فيه “

ومن خلال الكتاب يتبين ان هذه الفترة المقصودة  (القرون المفضلة) هي فترة ما قبل النهضة العلمية اي قبل القرن الثامن. وعلى أساس هذا الرأي فانه لا اهمية للنهضة والتطور في تاريخ المسلمين!

ثانيا: تم تقسيم العلوم الى قسمين علوم دنيوية اوعلوم الاوائل  وهذه هي ما نسميه الان بالعلوم الطبيعية (الكيمياء والميكانيك والرياضيات والاحياء والفلك…) وفيها يقول:

“لم تنتشرْ هذه العلوم والتي تسمى بـ ( علوم الأوائل ) عند المسلمين وتظهر بصورة كبيرة إلا في وقت المأمون (786-833م) الذي أمر بترجمة كُتب اليونان في الفلسفة والحكمة وغيرها، فأدخل بفعله هذا على المسلمين شراً…”.

اما القسم الاخر فهوالعلوم الدينية الشرعية وهذه هي العلوم الاساسية والمهمة ويقول عنها:

” فالعلم هوالعلم الشرعي وهوالذي دل عليه القرآن والسنة وكلام السلف لا علوم الفلاسفة والملاحدة “.

على اساس رأي ابن تيمية فان العلوم الطبيعية شرا يجب تجنبه

ويَنقل الكتاب عن ابن تيميه شيخ الاسلام (1263-1328م) الكثير من أرائه  وسنقتبس البعض منها  هنا, ولاشك في القول بالتاثير الكبير لابن تيمية والغزالي  واخرون على الفكر الاجتماعي الذي كان سائدا وقتذاك  وما زال. ومما قاله أبن تيمية بخصوص المأمون الذي كان له الدور الكبير في تشجيع الترجمة والعلوم والفكر:

” إن الله لن يغفل عن المأمون ما أدخله على المسلمين بترجمة تلك الكتب…”.

وعلى اساس هذا الرأي فان العلوم الطبيعية شرا يجب تجنبه.

اذا ليست الفلسفة التي حاربها الغزالي وحدها هي التي تم رفضها انما العلوم الطبيعية. ويرى شيخ الاسلام بالفلاسفة ما يلي:

” كان هؤلاء المتفلسفة إنما راجوا على أبعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية الذين ركّبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض “

وهنا ينقل لنا ابن الاثير صورة للوضع الثقافي في الثلث الاخير من القرن الثالث الهجري نتيجة مواقف العداء للفلسفة ومكافحة الفكر الفلسفي  حيث

“فُرض على الوراقين (نُساخ الكتب) ان يقسموا بان لن يشتغلوا باستنساخ أي من كتب الفلسفة. فكان من اثر ذلك ان هجر الوراقون مهنتهم [2]. ان تأريخ هذا الحدث يشير الى زمن نهوض التيار الاشعري, كما ان هجر الوراقين مهنتهم اثر هذا الحادث يشير الى ان انتشار الفكر الفلسفي بلغ المدى الذي ادى الى تعطيل مهنة الوراقين لمنعهم من انتساخ الكتب الفلسفية , بمعنى ان هذه الكتب كانت الاكثر رواجا حينذاك”. [3]

وفي الكيمياء يقول شيخ الاسلام

” وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق، وهوباطل في العقل، والله تعالى ليس كمثله… وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشاً ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم إن هذا من الكيمياء… محرم شرعاً بل هم يطلبون الباطل الحرام… ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء ولا من علماء الدين ولا من مشايخ المسلمين، ولا من الصحابة ولا من التابعيين لهم بإحسان..”

أما الفلك فيقول فيه شيخ الاسلام

“إن النجوم نوعان، حساب وأحكام، فأما الحساب فهومعرفة أقدار الأفلاك والكواكب، وصفاته ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصنعتها ونحوذلك، لكن جمهور التدقيق فيه، كثير التعب قليل الفائدة، كالعالم مثلاً بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة… أما الأحكام فهي من جنس السحر.”

أما علماء النهضة الذين يفخر المسلمون المعاصرون بهم  والذين تم اكتشاف جهدهم العلمي من قِبل المستشرقين فيرى فيهم مفكروا الاسلام ما بعد النهضة عكس ما يرى المعاصرون   وكنموذج نقدم البعض من الاراء حولهم وللاستزادة يمكن مراجعة كتاب الشيخ الفهد.  

يرى ابن تيمية في أبن الهيثم  انه  كان

” من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام، من أقران ابن سينا علماً وسفاً وإلحاداً وضلالاً، كان في دولة العبيديين الزنادقة، كان كأمثاله من الفلاسفة يقول بقدم العالم وغيره من الكفريات”. ( فتاوى شيخ الإسلام: 35/135،  درء التعارض: 2/281، الحاديات في مذكراته – في تاريخ الفلاسفة ص 270). قارن هذا الرأي بتقييم جورج سارتون له.


 أما الخوارزمي (780-850م) الذي دخل اسمه الاكاديميات والدراسات الرياضية الحديثة في كل بقاع الارض فقد رد أبن تيمية على انجازاته في الرياضيات

” بأنه وإن كان صحيحاً إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره”  (مجموع الفتاوى: 9/214 – 215).

العلوم الطبيعية قوة حضارية وليست ترفا فكريا

أبن سينا (980-1037م) والذي يعرفه الغرب ب (Avicenna) والذي يُعتبر بانه واحدا من اهم المفكرين والعلماء في الحضارة الاسلامية والذي ترك تاثيرا على فلاسفة الغرب [4  و5]  فقد قال عنه المفكرين الاسلامين ما يلي (وهذا نموذج بسيط مما قيل فيه):

أبن تيمية:” كان هو(أبن سينا) وأهل بيته واتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد” (الرد على المنطقيين ص141)

أبن القيم الجوزية (1292-1349م): “إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخرة” (إغاثة اللهفان 2/374).

كما اجمعت مجموعة مصادر على انه “إمام الملاحدة، فلسفي النحلة، ضال مضل، من القرامطة الباطنية، كان هووأبوه من دعاة الإسماعيلية، كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم بالآخر”.

أما بالنسبة للعلماء غير المسلمين فقد تم رفضهم جُملة وتفصيلا.

هكذا كان الفكر الاسلامي الذي ساد منذ القرن الثاني عشر وحتى القرن العشرين وما يزال.  لقد كان الاسلام هوالدين السائد اجتماعيا قبل وأثناء وبعد النهضة وهوالذي قاد من خلال المفكرين الاسلاميين (المعتزلة) الى النهضة ومن خلال مفكرين اسلاميين اخرين ونمط فكري مختلف حدث التراجع العلمي. فهل الدين هوالمسؤول أم المفكرين؟

العلوم الطبيعية قوة حضارية وليست ترفا فكريا كما انها ليست مجرد منجزات واكتشافات تُدرس بل فكر حر يبحث ويُطور الواقع من خلال تطبيقاته. وقوة الامم حاليا هي قدرتها على مجابهة التحديات طبيعية كانت اواجتماعية اوسياسية… وليس هناك من قوة تجابه التحدي سوى العلم والتكنولوجيا. ان من يعيش على الارض يجب ان يعمل بقوانينها والا فليس له مكانا فيها.


[١] – ناصر بن حمد الفهد, حقيقة الحضارة الاسلامية. http://www.tawhed.ws/r?i=008j8m2r. Retrieved 2011-12-22.

[٢] – ابن الاثير الجزري: الكامل في التاريخ –  طبعة. ليدن 1851- 1836. وطبعة المطبعة الازهرية 1301 ه , وطبعة عبد الوهاب النجار 1348 ه ,الجزء الثاني – ص 162

[٣] – حسين مروة – النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية – 1978 دار الفارابي – بيروت– ص 54

[٤] – Sarton, G. (1931). Introduction to the History of Science (3 v. in 5), Carnegie Institution of Washington Publication no. 376. Baltimore.

[٥] – “The Internet Encyclopedia of Philosophy, Avicenna/Ibn Sina (CA. 980-1037)”. Iep.utm.edu. 2006-01-06. http://www.iep.utm.edu/avicenna/. Retrieved 2011-12-22.

الشيخ ناصر الفهد: الرفض للعلم والاستناد على الموروث من الفكر الاسلامي

ابن سينا: “إمام الملاحدة، ضال مضل “